غرائز العدوان والنزعة التدميرية من منظور التحليل الفرويدي
“…مثل طفل في حذاء جديد يقفز من بركة لبركة، هكذا التاريخ..عبارة عن قفزات من حمام دم إلى آخر، من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الباردة، من الإبادة الجماعية للأرمن إلى الإبادة الجماعية لليهود إلى الإبادة الجماعية للروانديين، من روبسبير إلى هتلر”.
يوفال نوح هراري/الإنسان العاقل
بنىٰ عالم الانثروبولوجيا “كونراد لورينز” نظريته عن “العدوان الإنساني” في كتابه بإعتباره سلوك حيواني غرائزي بطريقة أو بأخرى، ويكون موجه لأفراد نفس النوع الذين قد يشكلوا شعورًا بالتهديد، وهو ضروري للبقاء والتكيف -اعتمادًا على نظرية الارتقاء لداروين-.
كان “كونراد لورينز” يرى أن “العدوان” مشترك بين الإنسان والحيوان ، فاعتمد منظوره كما قلنا سلفًا على الداروينية في تفسير “العدوان الإنساني الحيواني”.
فرض “لورينز” أن العدوان غريزة “بقاء” ساعدت أسلافنا على التكيف كما الحيوان للدفاع عن أرواحهم وجماعتهم وأراضيهم، فكان العدوان هنا “عاطفي” تحركه مشاعر كالحب والغضب، عكس ما سُمي بالـ”العدوان المتوحش” والذي ظهر عند الصيد.
لكن كان لـ”سيجموند فرويد” رأي آخر..
اتفق فرويد مع لورينز في كون “العدوان” غريزة متأصلة وقد يكون له تواجد في بنية الدماغ بالفعل -متجذر داخلنا من بقايا ماضينا “ما قبل الثقافي” من الأسلاف-، لكنه عكس ذلك، لم يكن غريزة للبقاء بل للموت وتدمير الآخر والذات.
وصف فرويد “العدوان” بأنه سلوك حيواني لم نعد بحاجة إليه لكننا عالقون به.
إذا كان مثلا السلوك العدواني مفيدًا للإنسان أثناء الصيد أو الدفاع عن أفراد جماعته، فكان ذلك قديمًا وإنما كان بغرض البقاء، أما “العدوان” الحالي بعد تطوير الإنسان الأسلحة والأدوات التدميرية على مر تاريخه، لم يعد يُستخدم عادةً لنفس الغرض في خدمة غريزة الحياة والبقاء لديه، وصار قتـ ل الآخر جزءً لا يتجزأ من تاريخ البشر وقيام الحضارات.
معظم الأفعال ذات النزعة التدميرية للإنسان تكون لاشعورية، فلا نكون على علم به أو نملك السيطرة على ظهوره.
ربما يكون أقرب مثال على ذلك الممارسات العدوانية والاستيطانية للكيان المحتـ ل في فـ لىىىطيـ ن مثلًا!
رغم أنه هو نفسه عانى ويلات تلك الممارسات قبلا طيل تاريخه.
فقام بحيلة دفاعية لا شعورية “التوحد مع المعتدي” ليتحول إلى نسخة من النموذج الذي كان قد آذاه ودمر.ه.
«فمن المفارقة أن يتحول الإنسان إلى نسخة ممن كرهه يومًا»
فكما يبدو سيظل الإنسان عالقًا في دائرة لا تنتهي من الد. مار، ليكون جزءً أساسيًا من قيام الحضارة الانسانية بالأساس.