الاكتئاب ما بعد الولادة (سلمى عبدالوهاب)

عن أشباح الأمومة ولماذا صار الحليب أسود؟”                                                                                    

انتشر في شهر مايو تحديدًا عام 2022م خبر يكاد يكون الأول من نوعه –على الأقل في مصر- وبدأت حالة من الاستنكار والغضب وأخرى تعاطف تسيطر على متابعي ملابسات القضية الغريبة؛ فجاءت عناوين الأخبار صادمة “أم تُقدم على دْبح أبنائها الثلاثة بسبب اصابتها بالإكتئاب”.

اعترفت السيدة أنه وبعد انجاب ابنها الثالث بدأت حالة القلق والاكتئاب الشديد تسيطر عليها لتخطط لقتل نفسها وكذلك أبنائها لتأخذهم معها، يشبه الأمر إلى حد ما قيام القطة الأم بإلتهام مولودها إذا وُلِدَ ميتًا لتحميه داخلها.

بمتابعة تبعات تلك القضية على الرأي العام..للأسف تعلم أن أمامنا شوط كبير لنصل لدرجة من الوعي تجعلنا على الأقل ندرك حقيقة وجود “اكتئاب ما بعد الولادة” ومساهمة البيئة المجتمعية المحيطة بالأم بزيادة سوء الحالة بدلًا من تقديم الدعم تشجيع الأمهات على الإهتمام بصحتهم النفسية هن وأطفالهم مثلما يتخوفون على صحتهم الجسدية كذلك.

فبدلًا من أن تساهم تلك القضية بنشر الوعي عن حقيقة هذا الاضطراب وتوعية الإناث، وجدنا أن الأمر تحول لوصمة للمرأة أو مباراة بين الجنسين عن من لديه صلابة نفسية أقوى وقدرة على ممارسات الأدوار الحياتية بكفاءة، فتحولت ساحة الآراء في الإعلام ووسائل السوشيال ميديا بما يشبه حديث من قرنٍ كان!

كان الفيلسوف اليوناني يرى أن الأسى يزيد من جودة العمل الفني، ربما كان محق! فنجد الروائية التركية “إلِف شفق” التي اعتادت إنجاب الحكايات، تنجب طفلًا ليتوقف حينها قلمها عن إنجاب الكلمات بدوره! وتبدأ حينها إدراك إصابتها بشبح مخاوف حديثة العهد بها، أصدرت “شفق” كتابها الذي يحمل عنوان “حليب أسود” ليس فقط سردية لسيرة ذاتية بقدر ما هي غوص لرؤية مخاوف أم على أرض الواقع وبدون تعقيدات ولا تنظيرات نسوية أو مجتمعية.

لا يوجد بياض يُضاهي بياض حليب الأم، فماذا يحدث إذا بدأت الأم ترضع ابنها حزنًا مخزنًا رابض في صدرها، فاختارت “شفق” الحليب ليكون أسودًا ، لأن الحليب دائمًا ما يُقترن مع وظائف الأمومة واحتضان الطفل؛ فجعلته هنا أسودًا ليس بسبب حبرها الذي جف مداده لكن كناية عن ظلام النفق الذي دخلته مع طفلها ومخاوفها وقلقها المرضي عليه، وثّقت “شفق” جوانب من شخصيتها ونشأتها لم تتطرق لها من قبل بالإضافة لمشاركتها مخاوفها بشجاعة، ورحلة خضوعها وإدراكها لأهمية الروابط الأسرية ودورها كأم، بعدما كانت تعتبر أعمالها الأدبية هم فقط أطفالها.